القائمة

وجه في المرآة


(على لسان طبيب تخطّى الخمسين)

أنا لست من هواة الحديث عن الغرائب… ولا أملك الوقت لأجادل أحدًا فيما يصدّق وما لا يصدّق.

لكنني طبيب… أعرف جيدًا كيف تبدو الهلاوس، وأين ينتهي العلم وتبدأ الهاوية.

وما سأحكيه حدث بالفعل، في شتاء عام 1997.

كنت وقتها أعمل في مستشفى حكومي صغير بمحافظة البحيرة.

ليل الشتاء كان طويلًا… باردًا… والمبنى يئن من الوحدة كأن جدرانه تتنفس.

في أحد الأيام، جاءتني مريضة تُدعى "سميحة"، امرأة في منتصف الأربعين، تعمل مدرسة، وتعيش وحدها منذ وفاة زوجها.

كانت تعاني من أرقٍ مستمر، وكوابيس متكررة، لكن ما جذب انتباهي هو جملتها: أنا مش بقدر أبص في المراية… المراية فيها حد تاني.

قلت في نفسي إنها حالة اضطراب ما بعد صدمة… هذا يحدث.

لكن ما أثار قلقي أن الأعراض كانت تتزايد…

لم تكن تخاف من الظلام، بل من الانعكاس.

من النسخة الأخرى منها التي تبتسم عندما لا تبتسم…

وترمش عندما لا ترمش.

جربنا معها كل شيء… مهدئات، علاج سلوكي، حتى التنويم المغناطيسي.

لكن كل يوم كانت تأتيني بكلمات أقل، وعينين أوسع… كما لو أن هناك شيئًا ما يأخذ مكانها تدريجيًا.

وفي إحدى الجلسات… طلبت مني أن أراها وهي تقف أمام المرآة.

أدخلتها إلى غرفة الاستراحة، حيث توجد مرآة كبيرة.

وقفت أمامها… وأشارت لي أن أراقب.

لم أرَ شيئًا في البداية… ثم لاحظت.

صورة "سميحة" في المرآة كانت تبتسم…

رغم أن وجهها الحقيقي كان صلبًا، صامتًا، كالحجر.

ثم فجأة، تحرّكت صورتها في المرآة… رفعت يدها اليمنى ببطء، رغم أن "سميحة" لم تتحرّك.

والابتسامة صارت اتساعًا… اتساعًا غير إنساني.

ثم… اختفت الصورة من المرآة.

نعم، اختفت. لم تعد تعكس شيئًا.

أما "سميحة"، فقد وقعت مغشيًا عليها، ولم تستيقظ بعدها.

ماتت في اليوم التالي، بسكتة قلبية.

أخبرت زملائي، لم يصدقني أحد.

المرآة؟ عكست كل شيء بعدها بشكل طبيعي.

كأنها نسيت ما فعلته.

لكنني لم أنسَ.

منذ ذلك اليوم، لا أنظر في المرآة ليلًا.

ولم أعد أستطيع النوم… حينما أنظر إلى صورتي، أشعر أنني أنا الآخر… قد لا أكون أنا. 

0تعليقات